تــــــــــــفــــســيــر الــنــســــاء
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطُوا النِّسَاء مُهُورهنَّ عَطِيَّة وَاجِبَة , وَفَرِيضَة لَازِمَة ; يُقَال مِنْهُ : نَحَلَ فُلَان فُلَانًا كَذَا , فَهُوَ يَنْحَلهُ نِحْلَة وَنُحْلًا . كَمَا : 6773 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } يَقُول : فَرِيضَة. 6774 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } يَعْنِي بِالنِّحْلَةِ : الْمَهْر. 6775 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } قَالَ : فَرِيضَة مُسَمَّاة . 6776 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } قَالَ : النِّحْلَة فِي كَلَام الْعَرَب : الْوَاجِب , يَقُول : لَا يَنْكِحهَا إِلَّا بِشَيْءٍ وَاجِب لَهَا صَدَقَة , يُسَمِّيهَا لَهَا وَاجِبَة , وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْكِح اِمْرَأَة بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِصَدَاقٍ وَاجِب , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون تَسْمِيَة الصَّدَاق كَذِبًا بِغَيْرِ حَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } أَوْلِيَاء النِّسَاء , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ صَدُقَاتهنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6777 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا زَوَّجَ أَيِّمَة أَخَذَ صَدَاقهَا دُونهَا , فَنَهَاهُمْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ , وَنَزَلَتْ : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاء النِّسَاء , بِأَنْ يُعْطِيَ الرَّجُل أُخْتَهُ الرَّجُلَ , عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ أُخْتَهُ , عَلَى أَنْ لَا كَثِير مَهْر بَيْنهمَا , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6778 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُعْطِي هَذَا الرَّجُل أُخْته وَيَأْخُذ أُخْت الرَّجُل , وَلَا يَأْخُذُونَ كَثِير مَهْر , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِبْتَدَأَ ذِكْر هَذِهِ الْآيَة بِخِطَابِ النَّاكِحِينَ النِّسَاء , وَنَهَاهُمْ عَنْ ظُلْمهنَّ وَالْجَوْر عَلَيْهِنَّ , وَعَرَّفَهُمْ سَبِيل النَّجَاة مِنْ ظُلْمهنَّ ; وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة عَلَى أَنَّ الْخِطَاب قَدْ صُرِفَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع } هُمْ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ } وَأَنَّ مَعْنَاهُ : وَآتُوا مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة , لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَوَّل : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء } وَلَمْ يَقُلْ : فَانْكِحُوا , فَيَكُون قَوْله : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ } مَصْرُوفًا إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ أَوْلِيَاء النِّسَاء دُون أَزْوَاجهنَّ , وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه أَزْوَاج النِّسَاء الْمَدْخُول بِهِنَّ وَالْمُسَمَّى لَهُنَّ الصَّدَاق أَنْ يُؤْتُوهُنَّ صَدُقَاتهنَّ دُون الْمُطَلَّقَات قَبْل الدُّخُول مِمَّنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا فِي عَقْد النِّكَاح صَدَاق .
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ وَهَبَ لَكُمْ أَيّهَا الرِّجَال نِسَاؤُكُمْ شَيْئًا مِنْ صَدُقَاتهنَّ , طَيِّبَة بِذَلِكَ أَنْفُسهنَّ , فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا. كَمَا : 6779 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } قَالَ : الْمَهْر . 6780 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ عُمَارَة فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } قَالَ : الصَّدَقَات . 6781 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } قَالَ : الْأَزْوَاج . 6782 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : قَالَ لِي إِبْرَاهِيم : أَكَلْت مِنْ الْهَنِيء الْمَرِيء ! قُلْت : مَا ذَاكَ ؟ قَالَ : اِمْرَأَتك أَعْطَتْك مِنْ صَدَاقهَا . 6783 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : دَخَلَ رَجُل عَلَى عَلْقَمَة وَهُوَ يَأْكُل مِنْ طَعَام بَيْن يَدَيْهِ , مِنْ شَيْء أَعْطَتْهُ اِمْرَأَته مِنْ صَدَاقهَا أَوْ غَيْره , فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَة : اُدْنُ , فَكُلْ مِنْ الْهَنِيء الْمَرِيء ! 6784 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } يَقُول : إِذَا كَانَ غَيْر إِضْرَار وَلَا خَدِيعَة , فَهُوَ هَنِيء مَرِيء كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . 6785 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } قَالَ : الصَّدَاق , { فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . 6786 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } . 6787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا يَتَأَثَّمُونَ أَنْ يَرْجِع أَحَدهمْ فِي شَيْء مِمَّا سَاقَ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . 6788 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } يَقُول : مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا فِي غَيْر كُرْه أَوْ هَوَان , فَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَك ذَلِكَ أَنْ تَأْكُلهُ هَنِيئًا مَرِيئًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَذَا الْقَوْل : أَوْلِيَاء النِّسَاء , فَقِيلَ لَهُمْ : إِنْ طَابَتْ أَنْفُس النِّسَاء اللَّوَاتِي إِلَيْكُمْ عِصْمَة نِكَاحهنَّ بِصَدُقَاتِهِنَّ نَفْسًا , فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6789 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا سَيَّار , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا زَوَّجَ اِبْنَته عَمَدَ إِلَى صَدَاقهَا فَأَخَذَهُ , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْأَوْلِيَاء : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا وَأَنَّ الْآيَة مُخَاطَب بِهَا الْأَزْوَاج ; لِأَنَّ اِفْتِتَاح الْآيَة مُبْتَدَأ بِذِكْرِهِمْ , وَقَوْله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } فِي سِيَاقه . وَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قِيلَ : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَإِنْ طَابَتْ لَكُمْ أَنْفُسهنَّ بِشَيْءٍ ؟ وَكَيْفَ وَحَّدْت النَّفْس وَالْمَعْنَى لِلْجَمِيعِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتهنَّ نِحْلَة } ؟ قِيلَ : أَمَّا نَقْل فِعْل النُّفُوس إِلَى أَصْحَاب النُّفُوس , فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ كَلَامهَا الْمَعْرُوف : ضِقْت بِهَذَا الْأَمْر ذِرَاعًا وَذَرْعًا , وَقَرِرْت بِهَذَا الْأَمْر عَيْنًا , وَالْمَعْنَى : ضَاقَ بِهِ ذَرْعِي , وَقَرَّتْ بِهِ عَيْنِي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا التَّيَّاز ذُو الْعَضَلَات قُلْنَا إِلَيْك إِلَيْك ضَاقَ بِهَا ذِرَاعَا فَنَقَلَ صِفَة الذِّرَاع إِلَى رَبّ الذِّرَاع , ثُمَّ أَخْرَجَ الذِّرَاع مُفَسِّرَة لِمَوْقِعِ الْفِعْل . وَكَذَلِكَ وَحَّدَ النَّفْس فِي قَوْله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } إِذْ كَانَتْ النَّفْس مُفَسِّرَة لِمَوْقِعِ الْخَبَر وَأَمَّا تَوْحِيد النَّفْس مِنْ النُّفُوس , لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْهَوَى , وَالْهَوَى يَكُون جَمَاعَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بِهَا جِيَف الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامهَا فَبِيض وَأَمَّا جِلْدهَا فَصَلِيب وَكَمَا قَالَ الْآخَر : فِي حَلْقكُمْ عَظْم وَقَدْ شَجِينَا وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : جَائِز فِي النَّفْس فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمْع وَالتَّوْحِيد ; فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا وَأَنْفُسًا , وَضِقْت بِهِ ذِرَاعًا وَذَرْعًا وَأَذْرُعًا , لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَيْك , وَإِلَى مَنْ تُخْبِر عَنْهُ , فَاكْتَفَى بِالْوَاحِدِ عَنْ الْجَمْع لِذَلِكَ , وَلَمْ يَذْهَب الْوَهْم إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى جَمْع لِأَنَّ قَبْله جَمْعًا. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ النَّفْس وَقَعَ مَوْقِع الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي بِلَفْظِ الْوَاحِد مُؤَدِّيَة مَعْنَاهُ إِذَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْوَاحِد , وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع عَنْ الْجَمْع .
فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
وَأَمَّا قَوْله : { هَنِيئًا } فَإِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ هَنَأْت الْبَعِير بِالْقَطِرَانِ : إِذَا جَرِبَ فَعُولِجَ بِهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحَاسِنه يَضَع الْهَنَاء مَوَاضِع النَّقْب فَكَانَ مَعْنَى قَوْله : { فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَكُلُوهُ دَوَاء شَافِيًا , يُقَال مِنْهُ : هَنَأَنِي الطَّعَام وَمَرَأَنِي : أَيْ صَارَ لِي دَوَاء وَعِلَاجًا شَافِيًا , وَهَنِئَنِي وَمَرِئَنِي بِالْكَسْرِ , وَهِيَ قَلِيلَة , وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْل يَقُولُونَ يَهْنَأنِي وَيَمْرَأنِي , وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ هَنَأَنِي , يَقُولُونَ : يَهْنِئُنِي وَيَمْرِئُنِي , فَإِذَا أَفْرَدُوا , قَالُوا : قَدْ أَمْرَأَنِي هَذَا الطَّعَام إِمْرَاء , وَيُقَال : هَنَأْت الْقَوْم : إِذَا عُلْتهمْ , سُمِعَ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : إِنَّمَا سُمِّيَتْ هَانِئًا لِتَهْنَأ , بِمَعْنَى : لِتَعُول وَتَكْفِي .